ألفُ سماءٍ وألفُ جزيرة

تُطلّ نافذتي على السماء، فتبدو النجومُ أقربَ إليّ من لُقياك.

أستلقي على جانبي الأيمن، أنظر من النافذة نحو النجوم؛

أستمرّ في التحديق لساعات، حتى إنني أحيانًا أسهرُ حتى شروق الشمس،

في انتظار شهابٍ يُحقّق لي أمنية.

لكن، ماذا لو أنّها أمنيةٌ عصيّة؟

منذ قليلٍ، رأيتُ شهابًا، لكني لم أستطع أن أتمنّى!

فقد خطرت لي أمنيتان: (أن تنتهي الحرب، وأن نلتقي).

جلستُ أُفاضل بينهما، حتى مرّ الشهاب سريعًا.

لكني أغمضتُ عينيّ، وصرختُ وأنا أُردّد: أن نلتقي، أن نلتقي.

أوَليس لقاؤنا يعني انتهاء الحرب؟

وعلى ذكر النجوم…

لقد اخترتُ نجمتين ترمزان لنا.

اخترتُ الأقربَ، والأكثرَ لمعانًا.

تشبهان كثيرًا الشامةَ أسفلَ رقبتي، وأعلى صدرك.

أراهما كنجمتين حطّت كلٌّ منهما على سماءٍ مختلفة.

يبدو القمرُ هذه الليلة بدرًا.

لِمَ لَمْ أختر لك القمر؟

أنتَ مثلُه: واضح، بهيّ، وجميل…

تبدو كأنّك سيّدُ السماء.

لكن، يطولُ غيابُك حتى تكتمل.

أما النجمتان…

فلأنني أردتُ أن أكونَ بجانبك،

أن أشعر أن هناك ما يربطني بك.

ألم أُخبرك أن الشامةَ أسفلَ رقبتي، وأعلى صدرك، تُشكّلان نجمتين؟

أو ربما، لأنك بطبيعتك… نجمٌ حقيقي.

لقد مضت ثلاثةُ أشهرٍ وأيام، منذ آخر مرةٍ تحدّثنا فيها.

مضت بطيئةً، مُمِلّة، يملؤها الترقب؛ كبركةٍ راكدة.

كنتَ أنتَ الحجرَ الذي أُلقِيه فيها كل صباحٍ ومساء.

أُغمض عيني، وأحلم يقظةً، بأننا نتجوّل في شوارع القاهرة (بالموتوسيكل)،

أن نصرخَ معًا بأعلى صوتنا من فوق جبل الطور،

لأُزيح عني رهق الحرب وألمها.

أو أنّنا نذهبُ إلى متحف الحضارة، يدًا بيد،

أمام أجدادك، لنُخبِرهم أن شمالَ وجنوبَ الوادي

قد انطوت حروبُهم القديمة بين قلبينا.

في عالمي هذا، تتشابه الأيامُ، الليالي، المواقف، والوجوه…

فلا شيء يتجدّد، سوى رغبتي اليومية بلقائك.

أما أنت…

كيف لك أن تفتقدَ غيابي في عالمك الصاخبِ ذاك؟

أنا فقط مَن أذكرك…

أحملك معي في شنطة نزوحي،

وأتناولك مرتين كل اثنتي عشرة ساعة،

كجرعةٍ مفرطةٍ من حبوب الكورتيزون

التي امتنعتُ عنها منذ زمن.

فأصبحتُ أتناولك للحزن،

للوحدة،

لوحشةِ المنفى،

وغربةِ الروح هنا.

أنرقصُ يومًا تحت النجوم؟

“شُؤونٌ صغيرةٌ تمرُّ بها أنتَ دونَ التفاتِ

تساوي لديّ حياتي… جميعَ حياتي

حوادثُ قد لا تُثيرُ اهتمامك

أُعمّرُ منها قصورًا

وأحيا عليها شهورًا

وأغزلُ منها حكايا كثيرة

وألفَ سماءٍ… وألفَ جزيرة.”

#مذكرات_نازحة

استكشاف المزيد

رَسائِلُ عَالِقَةٌ فِي حَرْب

عزيزي، الحربُ مصيبة، بل هي أشدُّ مصائبِ الحياةِ وأكثرُها إيلامًا. منذ أشهرٍ، استيقظتُ على صوتِ الحربِ من جديد، بعد نُزُوحي من الخرطوم إلى بيتِ العائلةِ في مدينةٍ أخرى اسمها (مَدَنِي)، والتي وصلتْها براثنُ الحربِ أيضًا. مُؤسِّسُ المدينةِ هو جدي (وَدْ مَدَنِي السُنِّي)، ففيها نشأتي الأولى، وعائلتي المُمتدّة، لذلك كان نُزُوحي

أكمل/ي القراءة

ألفُ سماءٍ وألفُ جزيرة

تُطلّ نافذتي على السماء، فتبدو النجومُ أقربَ إليّ من لُقياك. أستلقي على جانبي الأيمن، أنظر من النافذة نحو النجوم؛ أستمرّ في التحديق لساعات، حتى إنني أحيانًا أسهرُ حتى شروق الشمس، في انتظار شهابٍ يُحقّق لي أمنية. لكن، ماذا لو أنّها أمنيةٌ عصيّة؟ منذ قليلٍ، رأيتُ شهابًا، لكني لم أستطع أن

أكمل/ي القراءة