إينا تلي هنادي…

في زمن أصبح فيه حمل السلاح هدفه حماية الأجندة المعلنة والمضمرة، لم يختلف إثنان على أن الشهيدة الدكتورة الميرم بنت الفاشر /هنادي النور جمعة فضل حملت السلاح لأنها كانت في مرمى المليشيا، تحلت بالاتساق والشجاعة فكانت رمزاً للمقاومة النسائية في فاشر الصمود. 

دكتورة هنادي التي لاحت لنا ابتسامتها العذبة من خلال فيديوهاتها القصيرة – و حياتها الأقصر- كانت كفيلة بنقل قصة صمودها لشعبنا، فها هي تهتف للفاشر وتقوم بتعمير السلاح.  كغيرها الكثيرات ممن طالهن بطش المليشيا. علمت هنادي  أن الإقليم سيدافع عن نفسه ، كما عرفت وحشية الجنجويد ، أو قوات الدعم السريع التي منحها النظام المخلوع الشرعية، وجعل منها أداة تمارس الوحشية في هوامش الوطن المنسي (دارفور الجريح) بعيداً عن تساؤل العدالة وقريباً من أهداف العنصرية، ثم وضعها النظام الإنقلابي في قلب المحاصصة السياسية لتنقلب عليه هو الآخر، وهو مستقبل تنبأ به هتاف الثوار “مافي مليشيا بتحكم دولة”، وجسده الشعار الخالد “الخرطوم صنعت السم لهم مسبقاً، والآن الكل يدفع الثمن”.

تاريخ الإقليم المعقد، والمليء بالحروب التي شنتها الأنظمة السياسية السودانية المتعاقبة على الشعب، وظلم الثروات والتنمية، صنع نساء لم نألفهن كثيراً، نساء يجدن الحياة والمقاومة.

ليست السلطانة مندي وهنادي نماذج منفردة ، فلا تزال قلوبنا تحمل ذكرى مقبولة التي استشهدت في صباح 11 ابريل 2019 لأنها قررت جلب المياه للمعتصمين رغم حصار “الكجر”.

لتأتي هنادي ورفيقاتها ميارم الفاشر القويات، والمختلفات عن كل التصورات النمطية، يقفن على التكايا، يحملن المفراكة والسلاح. تشققت اياديهن من تقطيع البصل، وبناء المنازل، والدفاع عن الأرض والإنسان.

رحلت هنادي تاركة معاني كثيرة من نبل وشجاعة وآفاق جديدة لمعنى أن تكوني طبيبة، اختارت جانب بني وبنات جلدتها، مطيبة جراح أجسادهم المقاومة والمدافعة عن حق الأرض، وجراح قلوبهم بسندها اللامتناهي بكافة السبل.

من لم ينع الدكتورة المناضلة ومن لم يحس بفجوة واضحة في جدار المقاومة، والمقاومة النسائية المسلحة في الفاشر على وجه الخصوص.

شكلت هنادي بمقاومتها سردية مختلفة لتاريخ النساء السودانيات، سردية تتحدى بنى قمعٍ مختلفة، قمعٍ أبوي لا يرى في النساء سوى أجساد للممارسة العنف والهيمنة، وقمعٍ عسكري تتجاذبه أطراف لا ترى في أرواح الشعب سوى خسائر جانبية للظفر بالسلطة، وقمعٍ عنصري لا يرى في النساء السودانيات سوى ضحايا مستلبات الإرادة.

لقد غيرّت هنادي ومثلها الكثيرات من نساء الهامش خارج مركز العاصمة، والإثنية والطبقية، كل التصورات المسبقة والمعادلات السياسية التي هدفت لأن يكون مصير هذا الشعب القهر الأبدي.

نحن اليوم لا ننعي هنادي، بل ننعي أنفسنا وخسارتنا، ننعي اللحظات التي كنا فيها نتخيل سبل المقاومة في التنظير والكتب، بينما كانت نساء السودان ينحتنها بأياديهن وأسلحتهن وعطائهن وأملهن الصلب في الحياة والحرية.

ننعي أنفسنا ونحن نتباعد ونتجادل دون أن نعي المرحلة التاريخية التي نعيشها، وكيف يمكن لنا كنسويات أن نستثمر في الفعل الثوري الذي تخطه النساء والشعب في مقاومة الحرب والموت والمحو ومشاريع الهيمنة الاستعمارية والعسكرة.

أثبتت لنا هنادي وهي تشق طريقها للخلود، أن الاعتماد والتعويل هو على هذا الشعب الجسور، ونحن نؤمن إيماناً راسخاً أن الشعب السوداني يملك مقاومة خلاقة لا تنضب، ومن خلال مقاومة هنادي تتجدد ثقتنا في أن الحقيقة الوحيدة والقوة الوحيدة التي لا يمكن التغلب عليها هي قوة الشعب، والوفاء الذي ندين به لهنادي وجميع الشهيدات والشهداء هو أن نندمج في الشعب، في مقاومته وأمله، وعندها لا يمكن لأي عدو أن يقهرنا، بل سنقهره حتماً.

هنادي باقية وتعود روحها أبدياً في أشكال متعددة، سِمتها المشتركة الأصالة والبسالة، بسالة أن تكوني امرأة، اقتلعت حق الاختيار، فاختارت أن تحيا وتموت بشروطها هي ..ويا لها من بسالة.

استكشاف المزيد

إينا تلي هنادي…

في زمن أصبح فيه حمل السلاح هدفه حماية الأجندة المعلنة والمضمرة، لم يختلف إثنان على أن الشهيدة الدكتورة الميرم بنت الفاشر /هنادي النور جمعة فضل حملت السلاح لأنها كانت في مرمى المليشيا، تحلت بالاتساق والشجاعة فكانت رمزاً للمقاومة النسائية في فاشر الصمود.  دكتورة هنادي التي لاحت لنا ابتسامتها العذبة من

أكمل/ي القراءة

إعلان إنساني عاجل – حول المجازر والانتهاكات في مخيم زمزم و أبو شوك ومدينة أم كدادة – شمال دارفور

بألم لا يوصف، وأوجاع تعتصر القلب، نتابع ما يحدث في معسكر زمزم ومدينة أم كدادة و ابو شوك ،على تخوم الفاشر،ألم يجعل من صوتنا في التنديد ، يهد جدران الصمت المطبق على حرب السودان. حيث تتعرض أرضنا وأهلنا لعدوان همجي لا رحمة فيه. و حصار طويل ، منع حتى دخول

أكمل/ي القراءة