تضامن نسوي

“لا يوجد نضال أحادي لأننا نعيش حيوات ذات قضايا متعددة”

أودري لورد

لا تفتأ دول البطش والدمار الإنساني إطباق قبضتها على رقاب الحُرات والأحرار، في موريتانيا كما في مصر والسودان، ملايين البشر تحت رحمة المجاعات، السجون، والعادات البائدة. لكننا نقاوم، يقاومن ويقاومون سلاسل القيود بأي لون كانت. في موريتانيا ينتهي يوم بمحاولة نجاة مامة المصطفى من بعض هذه السلاسل وفي مصر يبدأ اليوم الذي يليه بمحاولة نجاة أخرى، محاولة علاء عبد الفتاح.

مامة هي صانعة محتوى موريتانية على تطبيق سناب-شات، قام أهلها باحتجازها وتعنيفها وتهديدها بترحيلها للبادية لأنها تزوجت من شاب يعتبر في طبقة اجتماعية أدنى. انتماء الشاب لطبقة “إكاون” و حسب الابوية القبائلية يجيز إبطال الزواج لعدم تكافؤ النسب، بمساعدة من الدولة الموريتانية قامت عائلة مامة بفسخ عقد زواجها كما تم الإعتداء عليها وحجزها رغم إرادتها، فما الباطل ياترى؟ طبقية الدولة وعنصريتها وشرطتها أم حلم امرأة بالحرية؟ إثر ما تعرضت له من تفريق بينها وزوجها بمساعدة الدولة وتعنيف وحبس من عائلتها حاولت مامة الانتحار.

لم تقتصر مشاركة الدولة الموريتانية كأداة سلطوية للقبيلة والأبوية على تطليق مامة وحبسها عقب محاولة نجاتها-انتحارها- إذ إمتد الأمر إلى احتجاز المتضامنات معها: سومة الولي، مامسي الكيحل، آمنة أحمد، تارا حبيب داخل مفوضية شرطة (لكصر) بعد أن تعرضن للتعنيف الجسدي واللفظي من عائلة مامة المصطفى إثر زيارة تضامنية معها تحت عين الشرطة ودون تدخل منها لمنع جرائم كهذه.

نعلن نحن كنسويات سودانيات تضامننا مع مامة المصطفى ورفيقاتها في نضالهن ضد السلطة، سلطة الطبقة والعنصرية وعنف الدولة وسلطة الذكورية. إننا مع خيارات كل النساء في شق طريقهن في حياتهن الشخصية والعملية والعلمية وفي الخروج من عباءات تسلط ذكور الأسرة وشيوخ القبيلة وعسس السلطة وفاشية الدولة.

إن دولنا ليست إلا سجونا، مدنها الزنازين، ولا حرية فيها إلا بحجم الزنزانة وطول السلسة التي تقيد أعناق الجميع، النساء فيها يشغلن أقذر الزنازين وعلى أيديهن أثقل القيود، إنهن في حرب دائمة ضد دول الحرب الأهلية هذه، هن في درجة عدالة صفر في مجتمع يظن فيه البعض أن بالإمكان الهروب من حقيقة أنهم أيضا ضحية للظلم، وأن نجاتهم تكمن -زيفاً- في التماهي مع القمع والظلم والدولة. كما يضع واقع القهر والإفقار النساء الفقيرات في مواجهة مع فقراء ومضطهدين مثلهن، هدفهم التنفيس عن قهرهم بإيقاع قهر مضاعف على الأضعف، مجابهة لا يستفيد منها سوى الدولة، سوى الظلم، سوى استمرار المآسي. إن الحديث عن حرية بكامل اتساعها، حتى لشخص واحد في دول مثل هذه ليس إلا أكذوبة، فلن يتحرر إنسان وهذه البربرية اليومية ماثلة.

إيماناً منا بقيم التضامن النسوي، تصبح قضية كل إمرأة هي قضيتنا، وكل دكتاتور هو مضطهد للنساء بالضرورة، قاتل بالضرورة، سجَّان بالضرورة، مُناصر للإفقار والجوع بالضرورة، ولا نحتاج لدروس طويلة كي نتعلم أنه عقبة في طريق تحررنا ويعمل ضد مصالح الجميع، ولن تأتي الحرية بالتماهي معه، بل عبره، بإسقاط كل هذا البناء المتداعي دون تردد. فقد علمتنا الثورة السودانية أن:

“بدون إيمان مشترك بحق الجسد في السلامة، سوف تواصل الحركات الثورية تحطمها بفعل القوى الفجة والدول التي ظلت دوما على استعداد لاقتراف أي عنف دون حدود.”

كما ندرك أن كل مكتسبات الثورات ما هي إلا تراكمات نضالات سابقة ولبنة من لبِنات بناء النضال الثابت الممتد عبر الأجيال والحدود. ظلت الثورة السودانية للعام الرابع ملهمة لكثير من الشعوب المضطهدة كما ظلت دائماً تستلهم من نضالات الشعوب الأخرى. وكنسويات امتدت لنا أيادي الحبيبات الرفيقات النسويات بأغصان الزيتون و أكاليل الزهور والتضامن من تونس ومصر وموريتانيا والصحراء الغربية واليمن السعيد وفلسطين الحبيبة ودول الخليج وحتى المنظمات النسوية الغربية وفي إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها، وما تضامننا اليوم مع الرفيقات في كل بقاع الأرض إلا رد للجميل، نقطة في بحر تضامن الرفاقية التي ما كلت تدهش كل مراقب لتداعي النساء مع بعضهن البعض في كل معترك دون سابق معرفة وتنسيق.

كل قضية هي تذكير، سواء كانت ضرب امرأة، استشهاد طفل في فلسطين، حرب الجنجويد والمليشيات ضد الآمنين، أسري الرأي، أو موت مهاجر في قوارب الموت في المتوسط، كل هذه تكرار لنفس الرسالة بألف طريقة: وهي أنه ليس هناك احتمال ولا حتى ضئيل أن إنسانا سيعيش بأمن وحرية في أي مكان ما لم تتحطم ماكينات القمع والرقابة والسلاح والأفكار البائدة التي تُشرعِن استخدامها، بأيدي الشعوب وقوتها الخاصة، والنساء في مقدمة هذا النضال الصعب الذي قررنا أن نخوضه.

وفي نفس السياق وإنطلاقاً من إيماننا بأممية النضال نتضامن اليوم مع عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين في مصر، إذ يغيبهم ويخفيهم النظام في السجون، نظام قمعي يريد استنساخ مثيل له في الخرطوم، مستنفذاً موارد الشعب المصري في تدريس خبراته في القتل والقمع لمثيله الجنرال عبد الفتاح البرهان. وبينما تنعقد قمة المناخ العالمي COP 27 في شرم الشيخ خلال شهر نوفمبر الجاري أثناء مقاطعات من شخصيات ومنظمات عديدة رفضا لسياسات النظام المصري القمعية وانتهاكات حقوق الإنسان وملف المعتقلين السياسيين والمخفيين قسريا وأحكام الإعدام والقتل في السجون بالتعذيب والتجويع والحرمان من الرعاية الصحية، بالإضافة لتذمر داخلي واسع ودعوات لحراك ضد النظام الحاكم في 11 نوفمبر وضد سياسات التحرير الاقتصادي التي أدت إلى إفقار وتجويع المواطنين واثقال كاهل الدولة بالدين الخارجي. يُصعِد المعتقل سياسياً علاء عبدالفتاح في إضرابه فمع بداية المؤتمر توقف علاء عن تناول كافة السوائل بما فيها الماء، ما يعني حتمية وفاته قبل انتهاء أعمال المؤتمر ما لم يحدث تدخل لإنقاذ حياة عاشت تحت أسر مستمر لما يزيد عن الثلاثة سنوات واعتقالات وأسر متقطع لمدة تقارب العشرة أعوام. يقول علاء في آخر جواب له:

” أخدت قرار بالتصعيد في التوقيت المناسب لنضالي عشان حريتي وحرية أسرى صراع هم مش طرف فيه أو بيحاولوا يتخارجوا منه وكل ضحايا نظام مش عارف يدير أزماته غير بأنه يقمع ولا يعيد إنتاج نفسه غير بأنه يحبس. والقرار اتاخد وأنا مغمور بمحبتكم ومشتاق لصحبتكم … حب كتير وإلى لقاء قريب”.

إن حرية وحياة علاء عبدالفتاح هي اختبار لدبلوماسية النفاق التي تناصر الشعوب بالألفاظ وتدعم الديكتاتور بالسلاح والديون. لا ننسى ختاماً أن نرسل تضامننا غير المحدود لسناء ومنى سيف عبد الفتاح و ليلى سويف خط الدفاع الأول عن علاء الناشطات المدافعات الصامدات الملهمات اللائي ما يئسن ولا كللن عن التبشير بقضية علاء ورفاقه المعتقلين العادلة والتصعيد في كافة المنابر والمساحات والبحث عن كل وسيلة انصاف والسير في كل دروب العدالة والكرامة.

مامة المصطفي وعلاء عبد الفتاح نشُد على أياديكم

الكريمة، ونرسل المحبة لقلوبكم الباسلة.

#لم_تهزموا_بعد

الموقعات:-

– كتلة كنداكات كرري

– تجمع كنداكات جنوب الخرطوم

– حركة نون النسوية

– المنبر النسوي كسلا

– جمعية نسوة

استكشاف المزيد

إعلان توظيف: متخصصـ / ـة وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الإبداعي

المسمى الوظيفي: متخصصـ/ـة وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الإبداعي نوع العقد: استشاري المدة: 6 أشهر   الموقع: عن بعد / في الموقع (حسب الحاجة) القاهرة – جمهورية مصر أو نيروبي– كينيا المتابعة : وحدة الإعلام، إدارة حركة نون النسوية عن حركة نون النسويّة:   حركة نون النسويّة هي مؤسّسة سودانيّة غير ربحيّة تعمل

أكمل/ي القراءة

We Are Hiring: Social Media & Creative Content Specialist

Terms of Reference Position: Social Media & Creative Content Specialist Duration: 6 months Location: Hybrid / Cairo, Egypt or Nairobi, Kenya Reporting to: Media Unit – Noon Feminist Movement Management (NFM) Background Noon Feminist Movement (NFM) is a Sudanese nonprofit organization dedicated to advocating for women’s rights and marginalized communities.

أكمل/ي القراءة