بين الامتياز وذنب النجاة
أنا امراة ذات صوت عالي دون أي صوت يسمع
منذ الثورة، اخذتني الدروب لسماع تجارب العنف وكتابتها، والاشراف على سماعها وكتابتها
دوما، كنت ارى نفسي خارج دائرة الجريمة نظرا للنجاة التي اتاحها الامتياز
اتذكر انهياراتي على أصابعي، احفظ الكوابيس جيدا، اعلم متى قررت ان أتوقف عن الأكل، ان اتوقف عن وضع كريمات العناية، أن اتوقف عن شراء الملابس، متى كانت كل فوطة صحية هي تساؤل دائم عن احقية الوصول، وكيف امتن لمياه “الدش” عوضا عن برميل الكارو، أن اتوقف عن الحب وأن أتوقف عن الحياة
مرة…
كنت انمص حاجبي، وصديق يتصل ويبكي لان صديقته اغتصبت في فض الاعتصام
ومرة…
فتاة تبكي من ألم الضرب، اناقشها في القانون والخيارات ضمن العودة لبيت التعنيف “ماعندنا رفاهية قسم ودار ايواء، قعدتك معاي زاتو تهمة”
ومرة…
صرخت في 11 نوفمبر، “وصرخت بكلمة بذيئة”، وناديت ي ستو ي ستو ي ستو النبي لأ…
ومرة…
في المستشفى، بالاصح بين المستشفيات، لان 19 ديسمبر كانت تنوي ازاحتنا عن طريق اجسادنا… بحثت عن دموعي، لم اجدها، فاخترت البحث عن كاش للمستشفى
ومرة…
صديقتي ارهقت، اختارت الهرب، بصمت بحثت، عدت للمنزل، تركت لها الغرفة، وصنعت فنجان قهوة “لم اعلم له طعما حتى اليوم”
ومرة…
قالت المعالجة، اغلقي عينيك، اخبريني كيف تشعرين؟
“أنا حقتل القتل ستو… ظهري، ظهري اتشل”…واخيرا بكيت..
تحدثي معها، اعتذري منها، دعيها تذهب..
“ي ستو، اسفة مارديت تلفونك، ياخ في زول بتصل 7 صباحا، اعرف كيف حتموتي، ودي آخر مكالمة”..
انام من رهق البكاء، احلم…اخيرا ححضنك ي وئام
“في العودة للبيت للقديم” كان بكاء أمي حين راتني في صالة المنزل، كان عزاي الأول
عزاء المنفى، والثورة والانقلاب.
في غرفتي المؤقتة، وضعت ستو، لعلي أالف المكان بقليل من الحزن.
في الطريق للعمل، سمعت الهتاف، رأيت بشرا من كل فج، “ياربي أنا اتاخرت في المشي للشغل، هسي حيهتفو، هسي حيضربو رصاص، ياخي زفت اليوم السكنت فيه كنار”
دي ذكرى 6 ابريل، اختفت الاصوات، اجري بين الطرقات، اختنقت من البمبان، لاحت “الركشة” أنا الآن آمنة..التفت اراهم يرقصون، لا كجر…
ومرة…
صديق يتصل، يبكي، هي تعرضت لاغتصاب جماعي، ماذا افعل؟
اضع المكياج، واتذكر نفس المكالمة باختلاف الاشخاص قبل 3 سنوات
انضف المنزل، قارب العيد على المجيء، اقرأ مقالا لرفيقة، أسمع صوتا، علها سمية تنفض الستائر…
يتصل صديقي الذي تفارقنا عند السحور
الحرب قامت…
“ماحنك، ستو يلا معاي، مافي داعي للبنطلون الجديد، و الكعب العالي، كيف انزح مدني لابسة بنطلون”، توب أمي وكيس الكريمات واللابتوب والجواز و ال180 دولار حقت السفارة، اسبوع وارجع والحق مواعيد الانترفيو..
أسبوع اسبوعين عشرة…صديقتي تمنحني من ملابسها، جاء الاتصال، صوت رصاص، “بفتحو شقتك، منعونا نقيف في الشارع، وئام ماحنك العفش، وئام بغتصبو النسوان في البيوت”
شارع النيل – التركي، قهوة محروقة ولب تسالي، ماحنك ، قدام
“الو…وئام ي وئام الحقي رؤيا ماتت”
كانت دموع مغبونة، انهمرت فجأة وتوقفت، الحمدلله، دي مابلد يعيشوها ولا حرب يتذكروها
بين اليقظة والأحلام…ندندن في ظلمة انقطاع الكهرباء…فجأة تقطع المكالمة صوت محمود…” كلو من رقمك القاعد في حوجة البروقراف ده
الو…وئام..بس داير اطمنك، هي مرقت..لكن اولاد الح°ام سو العيب”
كان التراب على راسي دافئا، اتصلت.. “معليش..خليني افتش دوا”
وداع مدني، شارع الزمالك، مطعم البروست، “جلابية” اهدتني ايها أم التقيتها في مدن النزوح..صوت في صف الكاشير..”إنتي بتشبهي وئام شوقي ، ياخ وئام..وئام سبب الحرب”
سنار، القضارف، كسلا، ارتريا، و”كارو كلفني 100 دولار لاعبر الغابة حتى الحدود، عسكري يرفض إن نذهب”دي تعليمات السيد البرهان، دايرين تمشو ونقاتل الجنجويد برانا”، ثابت ي اخينا، ارجع
يحتج الرجال، يرفع السلاح، انزل من عربة”الكارو” ملثمة، “عندي سرطان، ماشة اخد الكيماوي، افتح لك راس مرة حرة تشوفني صلعة؟
العفو ي اختنا، هاتي 5 ألف طيب وامشي، تصلو بالسلامة، عافو لينا وادعو لينا “
ليلة من السهر، تسني هادئة، ليتني ابقى هنا، واصمت وتصمت الدنيا
متى سأبكي..متى سألطم
العقبة، مطر اسمرا، سوق البصات، فتاة تلفت امها، “عايني ي أمي دي مش وئام شوقي”
اه، شغلة فارغة ساي، واسحب حقيبة اهدتني اياها هدى، بدل كيس “العثيم”
مطار اثيوبيا، بنة وبخور، اخيرا، مطار االفه، ليت المطار منزلي الآن
يوغندا..الايماقريشن..”اين تذكرة العودة للخرطوم؟ لن تصعدي الطائرة…ضعي 100 دولار داخل الجواز ، واعتذري”
هنا بكيت، هنا بلغ الذل والاهانة مبلغه، لكن لا كتف ولا احد، الجميع ينظر لي باستغراب، يتهامسون، هذه التي اخرجوها من الصف..
تنزانيا…”الو، أنا وئام..ممنونة انك وافقتي تتكلمي معاي وتحكي لي الحصل..طاخ طاخ طاخ…في شنو، الدعامة وصلونا مدني…ووب حيقتلونا…ادعي لينا…توت توت توت”…
“الو…مرقتو…اختي قالت لأ أمس، الجيش كان رجعهم، ي اوما حننزح تاني”..
على عتبة السلم، اكتب التجربة، لينعاد نفس الاحساس الاول، صدمة السماع للجرائم بحياد…
مكالمات ماسنجر…ماما ، ملاذ، ايمان…”في شنو ي جماعة شغالة”
وئام..باربي ماتت
هي فقط، خسارتها ابكتني 3 ايام متواصلة، صمت لانه عيني تورمت، لادموع أصلا، لم اجيد اللطم، اتصل على أمي وابكي..يمة شبكة مارنجان كانت كعبة، مالاقيتها في السودان ي أمي، أمي قعد اموت كتير دايرة موتة واحدة…
الجنينة، مالا عين رات ولا اذن سمعت ولم يخطر على بال بشر..شر لايوصف
اوثق، “ميوت” للمايك
قهوة ورا التانية…اتخمد
ويبدا صوت صراخ فتاة في جامعة مامون حميدة في راسي، استيقظ بألم، من هي، لا اعلم شيئا عن الخرطوم، لم اوثق داخل الخرطوم، لماذا تصرخين داخل راسي
يادروب لي وين تودي.. شوفي جوازك مسموح يخش وين
100 يوم حرب، “يلا ميتنغ، ايوا ي ايناس، نحن مالازم نسكت، السودان والسودانيين فوق كتفنا ومسؤوليتنا، أنا شوية عيانة، يومين ونتكلم”
“ي بنات دعواتكم ايناس في المستشفى…منو في المانيا يمشي..وااااااي ايناس ماتت”…
بعد 10 شهور من البصمة..”وئام ما حتاخدي جواز سفر، إنتي قحاتية، إنتي بتاعت توثيق ولا للحرب…البسي طرحة..جوازك اتطبع وفي زول شالو … ابصمي وادفعي تاني، علي الطلاق وئام ماتطلع جواز…خلاص ادوها جوازها، وبضحكة “لبسناك الطرحة”
لتحتضنني عابرة من فلسطين “اتذليت ي صديقتي اتذليت..ونحت”، “عارفة تماما كيف حاسة وئام.. عارفة”
ليست 10، اشهر عابرة، اتذكرها بالساعات والدقائق، حين اتصل على أمي ابكي، واراسل الاصدقاء والمعارف للمساعدة، حين رأيت ابي غاضبا من الظلم”عملتي شنو إنتي عشان يشيلو حقك”
…..
احمل فقط ستو، لا اعلم اين اجد لجان المقاومة، ليمنحوني “دمورية بيضا” فيها ملامح صديقاتي وفقيداتي، احملهن معي لاعود لالفة الم وحزن المنزل القديم … لاجد ارواحا اتحدث اليها، ملامح اراها حينما استيقظ وقبل أن انام..
أسيآ..عمو عثمان..الوليد اشرف الطيبين، دموع الغبن اصبحت غضبا…ولاصوت
الصلوات…دعاء للشهداء وركعة لامي وابي واخوتي والسودان
لم تتبقى ركعة من اجلي، لا فرصة هنا لي لابكي واتضرع من اجلي
تنهد الركائز بالموت…والخيانة
واواجه فقدان الصديقات والذاكرة
اواجه التخوين وحفلات الخذلان
خيبة…ماذا تسوى الخيبات أمام المجازر والمذابح كل يوم وزمزم وصالحة…
بالطبع لا ابكي الخيبة، ولا اجد دموعا للمجزرة، لكن قرر جسدي أن ينهار
15 ابريل…عامان من الحرب، والنوم على 13 سريرا، حضرت أول جلسة للتعافي والتشافي، أخيرا قلت لمعالجتي…”اتكسرت خلاص، أنا غضبانة وزعلانة، عارفة انه امتيازاتي نجتني، واني ما استاهل اشكي، وفي العادة دي فرص لبنات تانية…لكن تعبت
أنا خايفة..أنا غضبانة”
ي بنات…الغضب مش شعور، الغضب ترجمة جسمك لشعور الخوف وفقدان الامان
اشكري خوفك، لانه حماك
لكن سيبيه يمشي، انتي مش محتجاه تاني خالص
ها…شايفة ايه ي وئام
بيتي وامي وتقوى ورؤيا وايناس…أنا لسة خايفة حتى وستو معاي