عبر الأنظمة المجتمعية وخلال الطبقات تبقى الأبوية، تجعل تجربة كل امرأة مختلفة كليا عن نظيرها من نفس الطبقة والفئة الاجتماعية، نحاول بصورة جماعية في حركة نون النسوية فهم أنماط عملها والبقاء على مسافة من تقاطعات معاناة النساء لا تجعلنا نطرحها كأولويات يجب الاختيار من بينها، فقط فهمها وفهم تأثيرها حيث لا ضحية مثالية، معاناة جميع النساء تهمنا بحيث يلزمنا إيضاح ذلك قبل الحديث عن صديقة من الخرطوم، ليست المشكلة في الخرطوم، إنها في الأبوية العسكرية الاستعمارية.
صديقتنا من شندي بخير، بدنها على الأقل سليم.
الآن مع نفاد المدخرات بشتى صورها، يجب التفكير بسرعة حول إذا ما كانت الأسرة مستعدة للانتقال لبيت أحد الأقارب المزدحم، أحد مراكز الايواء أو حتى العودة للخرطوم! قرارت كبيرة تحتاج قدر وافر من التأني لصناعتها لكن الواقع مؤسف وواجب التحقق وهذه المعطيات الآن واقع يجب التعامل معه، عندما تستقر الكهرباء تستعيد صديقتنا قليلا من الاتصال بالعالم، تعرض بعض المجموعات النسائية في فيسبوك عروضا وظيفية لأعمال لا تحتاج لشهادات موثقة من وزارة الخارجية، أعمال التدريس المنزلي في الخليج مثلا، الأجر ضئيل مقارنة بالأجور لوظائف القطاع المنظم هناك لكنه يفي لقضاء قسط كبير من احتياجات الأسرة.
المشكلة الرئيسية في هذا النوع من الوظائف انها “استعباد” حديث حيث تمتلك صديقتنا غرفة خاصة لكنها بالفعل وعلى الأوراق الرسمية مملوكة للأسرة التي استجلبتها لتدريس بناتها، لا حياة عدا ذلك ولا أجر يوازي الوقت والجهد في هذه الصفقة، لالا، لن اذهب للسعودية بألفي ريال في الشهر، تتذكر صديقتنا البنك ووظيفتها، الزي الموحد الذي تمقت، طرحها متعددة الخامات بنفس اللون لتناسبه، تتذكر حنقها عليهم وتحن إليهم.
كان هذا الزي الموحد يعني أن الجميع ملتزمون بشيء، كانت وظيفة بمواعيد حضور وانصراف، بمهام محددة وهذا ما يلائمها وتفتقده، لا تمانع التدريس لكنها لا تريد الذوبان في محاولة النجاة بحيث تفقد حدودها، حدود شخصها.
تفكر مجددًا وتعيد النظر، يجب أن أخرج الشهادات من البيت في الخرطوم، الجامعة لا ترد على البريد الالكتروني منذ اشهر، يبدو انهم لن يستخرجوا هذه الشهادات قريبا، يجب أن أتصرف لإحضار هذه النسخ بالتحديد، ربما أيضًا شهادات الميلاد وقسيمة زواج والديها، كلهم في ملف واحد مع بعض الصور والجوابات.
للمفارقة وفي أحد المجموعات النسائية كذلك تعرض واحدة خدمة جلب الأغراض المختلفة من الخرطوم بمبالغ طائلة، لالا لو كنت أملك هذا القدر من المال لبدأت مشروعي الخاص هنا في شندي ولربما نجح، تقول لنفسها.
تتأمل في متوسط عمر الزواج في المدينة، تفكر في الخرطوم وفي وضع النساء في الخرطوم، في بيوتها ال “فاتحينها نسوان” وفي القدر من المسؤولية المصاحب لذلك، لطالما كانت توفير احتياجات المنزل الشهرية تحديًا لكن الآن التحدي هو إبقاء سقف على رأس الأسرة، لم لدي هذا القدر من المسوولية أصلا؟ تفكر صديقتنا في زيجة تقليدية كفرصة نجاة محتملة وتطرد الفكرة سريعا، لطالما فكرت عن زفافها الذي تأخر بالفعل من المواعيد التي تتوقعها خالاتها، لكنها ولكي تتفادى مآلات زيجاتهن كانت تخطط لفعل الأمور بطريقة مختلفة، كانت تحول مدخراتها لمصوغات ذهبية باعت معظمها منذ بدء الحرب، كانت على وشك شراء سيارة عبر خدمة تقسيط للموظفين يقدمها البنك الذي تعمل فيه، كان لديها تصور محدد عن صقل وبناء ذاتها قبل عقد شراكة مثل الزواج، لدى صديقتنا تحفظات موضوعية منذ الطفولة عن ديناميكية السلطة، عن هشاشة وضع النساء في علاقة الزواج التقليدية لم تعبر عنها لفظيًا بالمصطلحات التي تستخدمها النسويات في مقالاتهن لكنها كانت تعالجها عبر عدم استثمار الثقة والتركيز على التحقق اقتصاديا وتحقيق ذاتها، تعرف الآن أنها عرضة للاستغلال أكثر من أي وقت مضى وتوصد الباب، لالا ليس الآن.
ما العمل؟ قالوا المفاوضات حترجع.
تعطّل جميع أنشطة التفكير والتخطيط لبرهة وتأمل بكل ما تمتلك من قدرة أن تعود البلاد لأوضاع ما قبل الخامس من عشر من أبريل كما يقول الجنرالات، لا معطيات موضوعية لمستقبل تبعث على الأمل، تستمر في المقاومة حاملةً الحنين.
سارا معاويةقالات دورية النشر، تأتي المدونة الثانية بعنوان
“ماذا حدث لاحقًا في شندي؟”
صديقتنا من شندي بخير، بدنها على الأقل سليم.
ما العمل؟ قالوا المفاوضات حترجع.
تعطّل جميع أنشطة التفكير والتخطيط لبرهة وتأمل بكل ما تمتلك من قدرة أن تعود البلاد لأوضاع ما قبل الخامس من عشر من أبريل كما يقول الجنرالات، لا معطيات موضوعية لمستقبل تبعث على الأمل، تستمر في المقاومة حاملةً الحنين.
