في مد وجزر الصراع ضد الأبوية والإستعمار، نذكر نسويات الجنوب العالمي، نساء الهامش اللاتي لم يخرسهن الظلم ولا التمييز.
من فهمن تقاطعات القمع، من عرّفن ارتباط الشخصي بالسياسي، ونادين بالتحرر كحركة جماعية وجذرية ووضعن أجسادهن، وحياتهن في تمهيد الطريق نحوه.
نحتفي بنساء السودان، مناصرات الحق حين تميد الأرض وتضطرب السماء، مناضلات العدالة التقاطعية للجميع، أجساد تحت العنف وعقول ووجدان تعمل ضده، مشاعل بتضوّي للناس الطريق .
كل يوم عنهن واليوم عن رؤيا حسن، عقل متقّد وروح حرّة، رؤيا إحدى النسويات السودانيات، الكاتبات والباحثات المؤثرات بالتنظير في صيرورة الحراك والخطاب النسوي في السودان.
أضاءت منارة عبر كتاباتها وتنظيراتها عن الجسد كمساحة الصراع الأولى، عن المواطنة وسؤال الدولة، وعن تقاطعية النسوية مع الإعاقة والإستعمار وأخرى. دعتنا رؤيا بأدب جم للتفكير والونسة.
من خانة رد الفعل إلى خانة التفكير والفعل المستقلين، جمعت رؤيا بين التنظير والانخراط في نموذج إنساني، قوي، لطيف ومميز.
أصرّت رؤيا على كون حياة النساء اليومية إنعكاس مباشر لديناميات السلطة والثروة، اهتمت بالتاريخ الشفوي وأخرجت للرؤية حملة “حياة غير مرئية” التي وثقت لانتهاكات ومآسي واجهتها نساء سودانيات خلف الأبواب المغلقة، أخرجنها لتصبح حياة مرئية، ويجد وقعها اعترافًا ومناصرة لضحاياها والناجيات منها.
كتبت عن تجربة الجسد والتصورات اللصيقة به، عن حمل النساء لأعباء الثقافة بين أجسادهن، لغتهن، وطريقة تربيتهن للأطفال، أسئلة وأفكار مهمة حول النساء والثقافة.
على جانب أكثر قربا وحميمية، ناضلت رؤيا بالابتسامة وبالونسة، عُرف عنها ولازمتها بشاشة ورحابة غامرة حفّت من حولها و من اقترب ليسأل.
نحتفي برؤيا كمؤثرة نقلت تجاربها الحياتية عبر معرفة تحليلية أدبية، بدءًا من نشأتها في الريف وتلّمسها التمييز، إنتقال أسرتها إلى السعودية والعنصرية، عودتها إلى السودان وإحتكاكها بمعاناة النساء اليومية، تجربتها مع وفي ثورة ديسمبر، وتجربتها مع الإعاقة بعد تشخيصها بمرض التصلب العصبي الضموري.
لم يوقف المرض رؤيا من المقاومة والنضال والتفكير في الجسد وعلاقات السلطة، لا المرض ولا الإنقلابات العسكرية ولا التعصب وكراهية النساء.
ظلت في كل أوقاتها صامدة ومناصرة للمجموعات غير المهيمنة وعاملة على تعريف الهيمنة نفسها، بين الفعل والتنظير وبيننا كانت رؤيا.
اختطفتها الملاريا في يونيو 2023 في مدينة الرهد شمال كردفان التي جاءت إليها عندما اشتدت الإشتباكات في منطقتهم في امدرمان.
منتصرة للأرياف والهوامش، نذكر ما حيينا: الألمعية، السئّالة، الونّاسة، القوية، الحنينة رؤيا حسن.