هل أعياكم الضجر من سماع كلماتي الجارحة؟، حسنا ، في هذه الحلقة، سأتنحى قليلاً، لأحكي عن حكاية ليست حكايتي — لكنها تشبهها كثيرًا.
دعوني أعرّفكم على صديقتي المقرّبة، التي سأُسميها هنا “البت التائهة”.
ليس لأنها لم تكن تعرف طريقها، بل لأنها كلما حاولت المشي فيه… شُرِعَت الأبواب لغيرها، وأُغلقت في وجهها.
كانت باحثة، قعدت شهور تشتغل على ورقة مؤتمر إقليمي مهم،
نقشتها سطراً بسطر، أهلكت ساقيها في أزقة الخرطوم، ومزقت ملابسها في حافلات بحري، وهي تجمع بياناتها
أرسلت الورقة كمشاركة من المنظمة التي تعمل بها
تم قبولها.
وقتها فرحنا — أنا وهي — فرح عظيم.
لكن لما اقترب وقت المؤتمر،
أخبرتها مديرة فريقها أنها لن تقدم الورقة بنفسها
فمن الأفضل “لصورة المنظمة” أن تقدمها المديرة!!
صديقتي التائهة استغربت الأمر ولكن بعد إلحاحهم عليها وافقت علي مضض
فالمهم ان الورقة ستظل “بإسمها” أو هكذا اقنعوها حينها
ولكن المضحك، أن المديرة لم تسافر وحدها، رافقها نائبها ومعاهم كمان مسؤول الشؤون المالية، الزول البكتب الإيميلات بترجمة جوجل.
قدموا ورقتها بإسم المنظمة و لم يأتي أحدهم على ذكرها ابدا،
وما إن عادوا من تلك الرحلة السياحية
كتبت صديقتي استقالتها،
و أطفأت نورها في المجتمع المدني… إلى الأبد.
قالت لي:
“أنا ما زعلانة إنهم مشوا…
أنا زعلانة إني أنا اللي كتبت الحكاية،
ولقيت نفسي برّة الصورة.”
البنت التائهه…
بكت، ومشَت.
وأنا؟
أنا كنت شاهدة صامتة على لحظة كسرت فيها الكلمات صاحبتها.

