إليكِ: آسيا مدني

دقّوا النقّارة

في بيت البقّارة

الدنيا دي دوّارة

إليكِ: آسيا مدني

لم أتخيّل أن تذهب آسيا، كنت أعتقد أن الموت يخشى الإيقاع، لم أصدّق فعلًا أن “الدنيا دي دوّارة”.

لا أذكر كيف تصادقنا على فيسبوك، لكنني أذكر أنني أغلقت حسابي فترة من الزمن، وعندما فعلت حسابي، وقفتُ وهَلَّلتُ وقتها: “آسيا مدني مرسلة لي طلب صداقة”.

لا أعلم كيف أنعي آسيا، قرّرت أن أنعيها وأنا أُكرّمها كما حكت لي باقتضاب بسيط عن نفسها. لم تُسعفنا المواعيد ولا الحرب عندما اتفقنا:

“محتاجة ألقاكِ كان جيت السودان، محتاجة نتونس، أنا عايزة أحكي ليكِ.”

عندما عدتُ لسماع التسجيلات، وقالت “ونسة”، تذكّرتُ رؤيا والونسات المؤجلة. تراكمت بيوت العزاء التي تنتظر نهاية الحرب.

حزينون اليوم، أن السودان عندما يسلَم، لن تطأ أرضه آسيا وتصدح.

كانت تبدأ “ونستها” معي بـ:

“صباح الخير، أنا بحبّك جدًّا، وبحترمك جدًّا، عايشة من سنين تفاصيلك، أنا بشوف نفسي فيكِ وبراهن بيكِ.”

ثم تبدأ بصوتها العاتب اللطيف، تتخيّلها “تاكية يديها في وسطها”:

“عايني هوي، ما يرهقوكِ، نحن قويات مع بعض، كان ما أثّرنا فيهم ما كان هاجوا.”

حسّادك أجاويدك

لم أعطِ آسيا أي شيء، غرقتُ في محبتها غير المشروطة. كيف تتذكّرني في كل 8 مارس وتهنّئني بقوتي وقوة النساء في السودان ومصر؟

آسيا تحمل وطنين بكل صدق، وبرغم قسوة السودان تجاهها، إلا أنها لم تعامل مصر كمنفى، بل بلادًا أحبّتها كما هي.

“أنا في مصر دي السودانيين قطعوا بوستراتي ولصّقوها المصريين. أنا بكّوني السودانيين وقشّوا دمعتي المصريين. أنا بعشق وطني السودان، وبحبّ مصر بلدي.”

“الفنّان ابن وطنه. الشعب السوداني شعب كريم، يستاهل ينعم بحريته. كفنانين، نحن لسان حال شعبنا، نحكي عنه بالفن ولغة الفن. من حقّنا نقول في إخفاقات، بنحاول دايمًا ننتج للمقاومة والثوار الأحرار، ما للانتهازيين.”

كانت آسيا جريئة وحنينة، لا تُهادن عندما تخاطب السياسيين الـ “عاملين رايحين”.

“يا سياسيين.. ما تبيعوا الموية في حارة السقايين، أنا آسيا بت مدني.”

كانت مصرّة أن أستمع للقائها الإذاعي مع مونت كارلو مع عاطف علي، في فترة مؤتمر باريس الاقتصادي/أصدقاء السودان.

في أوج الأحلام والتخيّلات، آسيا كانت تعلم، وأجرت حوارًا مباشرًا وهي “كما وصفت”: “قاعدة في سريري في القاهرة، قلت كلامي وهم في باريس عاملين رايحين.”

ما كل حاجة مستحمِلة الانتظار…

سألها عاطف:

متى ستغنّين في الخرطوم؟

“لمن يصبح الوطن حرًّا ديمقراطيًّا، عايزة أغني لكل السودانيين. ثورة السودان لم تكتمل بعد، ولم تتحقّق مطالب الشعب. نحن تنقصنا العدالة والسلام الشامل، للآن انتهاكات دارفور والجنينة تنزف حتى بعد توقيع اتفاق السلام. لم يُحاسب من فضّ اعتصام القيادة، للآن أزمات.. من ناحية الصحة والتعليم والخبز والجشع. الحياة غير آدمية، اللي اعتلوا الكراسي بدماء أولادنا وإخواننا الشهداء، لم يحققوا أي مطلب، بل الحال أسوأ.”

يقول عاطف: اعترفوا بالتقصير، وطلبوا منّا الانتظار على تركة ثلاثين عامًا، هل يجب علينا أن ننتظر؟

“الاعتراف لوحده مش كفاية، لازم يصاحبه عمل. الحكومة المدنية أضعف من ثورة ديسمبر. جات دعومات مالية، وما اقتلعته لجنة إزالة التمكين، كان مفترض يبدأ بالصحة.

المريض ما لاقي بندول، وقت كورونا ما في أكسجين.

لو ما عندك، بتموت بس.

الأساسيات في السودان، رفاهيات.

ما كل حاجة مستحمِلة الانتظار.”

“أنا ما عشت تجربة، قصتي نضالي للمؤمنة بيه.”

تحدّثنا قبل شهر من الحرب، كانت سعيدة بمشاركتها المتكرّرة في حفل سنوي يُقام في زنجبار/تنزانيا لعدد من الموسيقيات والمغنيات الإفريقيات. قالت:

“مهما أحكي ليكِ، المهرجان ده من أهم المهرجانات، كل سنة بتدعمني مؤسسات.

أتخيلي السنة دي، 5 ألف تذاكر طيران لي أنا وفرقتي، ما في زول دعمني. أصحابي أدّوني ألف، والباقي عرقي وشقاي لأني مؤمنة بالبعمله.”

رحلت آسيا “مؤمنة بالبتعملو”. رحلت آسيا في “مصر المؤمنة”.

الأرض التي فتحت لها الأبواب كما تسميها دائمًا.

“والبكوك زمان ببكوك هسي، لا زيّك جا، ولا زيّك بجي.”

“والحاربوك حبوك، هسي باكيين مشيتك.

ويا روحي لمن تخنقك عبرة الشوق، الليلة خانقانا حسرة رحيلك.”

استكشاف المزيد

إعلان توظيف: متخصصـ / ـة وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الإبداعي

المسمى الوظيفي: متخصصـ/ـة وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الإبداعي نوع العقد: استشاري المدة: 6 أشهر   الموقع: عن بعد / في الموقع (حسب الحاجة) القاهرة – جمهورية مصر أو نيروبي– كينيا المتابعة : وحدة الإعلام، إدارة حركة نون النسوية عن حركة نون النسويّة:   حركة نون النسويّة هي مؤسّسة سودانيّة غير ربحيّة تعمل

أكمل/ي القراءة

We Are Hiring: Social Media & Creative Content Specialist

Terms of Reference Position: Social Media & Creative Content Specialist Duration: 6 months Location: Hybrid / Cairo, Egypt or Nairobi, Kenya Reporting to: Media Unit – Noon Feminist Movement Management (NFM) Background Noon Feminist Movement (NFM) is a Sudanese nonprofit organization dedicated to advocating for women’s rights and marginalized communities.

أكمل/ي القراءة