ستة عشر يومًا لا تكفي في السودان

حملة الستة عشر يومًا من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي هي حملة عالمية لمواجهة العنف ضد النساء والفتيات،[1] تجري الحملة كل عام بدءً من الخامس والعشرين من نوفمبر، وهو اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وحتى العاشر من ديسمبر وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان. بدأت الحملة في العام 1991 بواسطة معهد المرأة العالمي الأول للقيادة عبر جامعة روتجرز. حالياً يشارك في الحملة أكثر من 3700 منظمة سنوياً من 164 بلد تقريبًا. فعاليات الستة عشر يومًا لمناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي لا تحمل تأثيرًا كبيرًا في سياق السودان، تنعقد الفعاليات خصوصا بعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023 المستمرة والتي تؤثر على 13 ولاية من أصل 18 ولاية في السودان مجاراةً للكالندر الحقوقي والنسوي العالمي ولتحقيق بنود الصرف. يلاحق العنف والموت السودانيات/يين طوال العام وبأكثر من 16 طريقة لا تكفي 16 يوم للحديث عنها. وبالرغم أن مستويات العنف خلال حرب الخامس عشر من أبريل فاقت الوصف، قدّمت نساء السودان سبايا لمليشيا الدعم السريع، هجّرت ملايين السودانيات/يين نازحين بالداخل و لاجئين في دول الجوار، وأحالت ساحات بيوت من بقيوا مقابرًا. إلا أن الحرب هي الأخرى ألقت بظلالها على خريطة تمييز إثني وجهوي صارا معيارًا لدرجات محددة من العنف.
في دارفور المكلومة تقاوم فاشر السلطان مشروع الاحتلال الذي تخدمه حرب الخامس عشر من أبريل كآخر المدن التي لم تقع في قبضة مليشيات الدعم السريع المدعومة اماراتيًا. يعتبر قصف الطيران شبه اليومي هو سلاح تفوق الجيش السوداني على مليشيا الدعم السريع اليوم وعلى ما صار اليوم كفاحًا مسلحًا وكان بالأمس تمردًا، لكن القنابل و البراميل لاتفرق بين المتمردين والمدنيين في الأسواق. في الجزيرة أيضا تحصد البراميل المتفجرة الجميع بلا تفرقة  “كاكي و متعاون و مواطن محاصر”. ضربات جوية متفرقة في الخرطوم على المليشيا التي اتخذت المدنيين كدروع بشريّة منذ شهور الحرب الأولى معسكرات وسط الأحياء و منازل منهوبة كمقار عسكرية وأسواق لبيع المنهوبات.

لماذا نجندر العنف في الحرب؟ 

نعلم الثمن الباهظ المركب والمعقد للانتهاكات الممنهجة التي تقع على النساء، ونعلم أيضًا أن العنف الممنهج عليهن هو أداة لتفكيك مجتمعاتهن وإذلال الأسر و الرجال و أداة للتهجير القسري كذلك وطلب الفدى. استجابةً للعنف الممنهج اُنتجت أدوات للتعايش مع العنف والمعنفين لتخفيف الضرر، مثل تزويج الفتيات لأفراد من ميليشيا الدعم السريع لتقليل الضرر ومحاولات النهب و الاغتصاب والاختطاف التي قد تحدث. خدمة الجنود في التسكين والتموين والإعاشة وتحمل تبعات العنف المتوقع والغير متوقع لتقليل المخاطر. والمجازفة المستمرة باستهدافهم بتهم التعاون مع المتمردين في حالة مغادرتهم لمناطقهم أو رجوعها لسيطرة قوات الجيش. أحد أشرس تمظهرات العنف الجنسي الممنهج في الحرب أعادت للأذهان عصور أسواق النخاسة، التي ظهرت كحالة بعد حوالي أربعة أشهر من اندلاع الحرب، حينما اختطف قوات الدعم السريع فتيات من الخرطوم لواحدة من ولايات دارفور و قرروا بيعهن، إلى أن تدخل الأهالي و دفعوا فِدىً تقارب الـ 20 ألف دولار لإطلاق سراحهن.

المعنف ليس جنديًا فقط..

سببت السيولة الأمنية والاختناق الاقتصادي اللتان جعلتا من الاستنفار و زيادة وقود القوة البشرية للحرب واحدة من الوظائف التي قد تدر مصدرا للدخل على حسب الطرف العسكري القادر ماديا، و تفادي العقاب و الوصمة المجتمعية التي تحدث في المدن الحضرية تفاقم العنف المنزلي وتصاعدت وتيرة جرائم كالاغتصاب الزوجي، واغتصاب النساء و الفتيات و الطفلات النازحات في معسكرات الايواء، أو النازحات منهن و العاملات في خدمة المنازل و المزارعات.

عبر العمل في وحدة التوثيق في حركة نون النسويّة نصّبنا النساء في القواعد هن البوصلة لنسويتنا، عبر العمل الجماعي نحاول أن نوّثق ونشارك في فهم ما يجري، لملء فجوة كوننا لا نعلم عن السابقات، وكيف أغفلت المعالجات النخبوية قصصهن وسردياتهن. كالأميرة مندي ابنة السلطان عجبنا من جبال النوبة التي رافقت والدها في حربه ضد الاستعمار في 1917  وصغيرها مربوط إلى ظهرها حاملةً البندقية لثلاثة أشهر، واصلت القتال حتى بعد أن أصيب ابنها بطلقة أردته قتيلا. مندي التي ضمدت الجراح و طبخت الطعام في ساحة المعركة، كانت معركة شعب جبال النوبة ضد الاستعمار التي لم تنتهي لليوم بطريقة أو بأخرى. ونحن مهمومات بحكايات النساء في القواعد، نتذكّر تمرير قانون إجازة اليوم الصحي في البرلمان، أول إضراب نسائي في أفريقيا في الخمسينيات من أجل المساواة في قوانين العمل.
ويغيب عنّا ذاكرة نضال أوائل المعتقلات في عهد الجبهة الإسلامية بعد انقلابهم المشؤوم، النساء والنقابات الأولى، قصص تصدّي ومعاناة النساء عبر مجاعة 1988 ، شهيدات ال15 من أبريل، الناجيات من اغتصاب جماعي والأفكار التي دارت في ذهن 13 فتاة قتلن أنفسهن في الجزيرة خوفا من التعرّض للاغتصاب من ميليشيا الدعم السريع ، حكايات الأسر والحرية المشوّهة بعدها، تجاربهن كأسيرات داخل المعسكرات، مقاومتهن و” ايد تهدهد في الحياة و إيد تجهجه للجراح”. نقاوم بالتذكير والتذكّر و السرد و مشاركة المساحة لسماع التجارب. علّمنا عملنا في التوثيق هيكلية التناسي لخبرات وتجارب النساء، مررنا بصعوبات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة حتى جاءت الحرب .والتي نقلت التناسي لمستوى الاخراس والتغييب الممنهج أصبحت بعض المناطق محاصرة ومعزولة، أخرى قُطعت عنها الاتصالات، خلال عملهن تعرضت جامعات البيانات لحوادث نهب مسلح وخشين على حياتهن، مشت إحداهن مسافة 45 دقيقة لإيجاد شبكة، قصف الطيران سوقًا فيه وصول للمواطنين لانترنت الفضائي -استار لينك-، تم القبض على إحداهن بسبب كسر حظر الطوارئ، ولا يسمح لهن بالدخول لمعسكرات الإيواء إلا بإصدار تصاريح أمنية باجراءات. وكأن أصوات النساء ووجودهن أكبر مهدد للدولة، نعتقد أن تهديد تجارب النساء يكمن في تقديمها للحقيقة دون تحيزات، تجارب النساء تحاكم السلطة، تشعرها بالخجل من عدم استيفاء شروط العقد الأبوي.

استكشاف المزيد

ستة عشر يومًا لا تكفي في السودان

انقر هنا لتحميل المقالة حملة الستة عشر يومًا من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي هي حملة عالمية لمواجهة العنف ضد النساء والفتيات،[1] تجري الحملة كل عام بدءً من الخامس والعشرين من نوفمبر، وهو اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وحتى العاشر من ديسمبر وهو اليوم العالمي لحقوق

أكمل/ي القراءة

نحو صحافة سودانية حساسة للنوع الإجتماعي

انقر هنا لتحميل المقالة كما هو حال البلاد بالعموم لم تنعم الصحافة السودانية إلا بديمقراطيات قصيرة حاولت عبرها تطوير الممارسة الصحفية ولكن سرعان ما كان الطريق يُقطع بانقلاب عسكري يرتد على ما تم تحقيقه من مكتسبات. كما الانتقالية الأخيرة التي شهدت فيها الحريات الصحفية نقلة نسبية مقارنة بعهود صُنف فيها

أكمل/ي القراءة