ماذا بعد النجاة؟: عن المقاومة والأمل في سياقات النزوح واللجوء

في صباح 15 أبريل للعام 2023 انطلقت أول رصاصة في حرب تكمل عامها الثالث الآن، راح ضحيتها المئات من المواطنات/ين وتشرد الملايين بين نزوح ولجوء. فرضت الحرب على كافة فئات الشعب واقعا وفصلا جديدا من التاريخ عنوانه البندقية وسلطة السلاح وهيمنته.

وجدت النساء السودانيات انفسهن أمام اعباء رحلة تهجير قسري خوفا من الموت، الانتهاكات والجوع والعطش، حملن أعباء تلك الرحلة مع أسرهن أو منفردات بحثا عن مكان أكثر أمانا، ليجدن أنهن الآن تحت وطأة أوضاع اجتماعية واقتصادية وقانونية جديدة بعيدا عن الحيوات التي اعتدنها. ورغم الألم والفقد تحلين بقدرة غير مسبوقة على المقاومة والنهوض مجددا من رماد و ركام الحرب والبدء في البحث عن سبل العيش.

ان تأزم الأوضاع واتساع رقعة الحرب لتشمل مناطق كانت مركزا لأعمال ومشاريع ووظائف جديدة مثلا  عندما دخلت ولاية الجزيرة دائرة الاقتتال في ديسمبر من نفس العام، فقد الكثيرات والكثيرون مشاريعهم/ن الصغيرة بعد بدايه من جديد بعد حرب الخرطوم، لتبدأ موجات أكبر من النزوح لولايات ومناطق أخرى، باحصائيات تجاوزت حاجز 12.9 مليون نازحة ونازح .

لم ينعكس أثر الحرب وتبعاتها من نزوح ولجوء فقط على الوضع الاقتصادي للأفراد والأسر والمجتمعات، وإنما تعدته إلى تغييرات مجتمعية كبيرة متباينة، أغلبها يتمحور حول أدوار النساء، وفاعليتهن بأسواق العمل المختلفة، والانخراط المتزايد في أنواع مختلفة من الوظائف والمشاريع، في هذا المقال نسلط بعض الضوء على تكيف النساء وقدراتهن على المقاومة في خضم أمواج عالية من التغيرات والمصاعب وماذا فعلن للنجاة.

  • إعادة تشكيل الأدوار الاجتماعية: 

فرض واقع الحرب على النساء أعباء ومسؤوليات مضاعفة عما كانت عليه قبلها، قاومن في تلك الاوضاع ببسالة طلبا للعيش والكرامة والنجاة لهن ولأسرهن، عبر مشروعات صغيرة يقمن بإدارتها والإشراف عليها بأنفسهن وتصنيع المنتجات وتسويقها وأحيانا كثيرة حتى توصيلها للعملاء. عقب الحرب أصبح طابع المشاريع الصغيرة والأعمال للنساء في المنافي ومناطق النزوح أكثر انفتاحا وتكيفا مع حركة التجديد المستمرة بالأسواق، لم تنحصر منتجاتهن علي  البخور والمنتجات السودانية والاطعمة أو كل ما هو نمطي, وإنما اتسعت دائرة تلك الأعمال والمشاريع لتشمل تصنيع مستحضرات التجميل والعناية بصورة عالية الجودة مع منتجات تنافس الشركات العالمية؛ حيث انطلقن من واقع المسؤولية والبحث عن سبل كسب العيش. لم تقتصر الأعمال على المنتجات المختلفة بل تعدتها الى تقديم الخدمات المختلفة مثل التوصيل (دليفري) مثل ربا التي عرضت خدماتها على سيدة أعمال سودانية لتصبح مندوبتها في القاهرة لترتيب واستقبال الطلبيات، إلا أنها لاحظت تأخر شركات التوصيل في أداء المهام فقررت توصيل الطلبيات بنفسها وبمعاونة أخيها. شاركت ربا على السوشيال ميديا منشورا تبحث فيه عن متاجر ومشاريع أخرى ترغب في خدماتها للتوصيل، لاقى المنشور تفاعلا كبيرا وصل الى الالاف من الداعمين حيث قدم لها شخص – أراد دعم مشروعها – دراجة نارية لتساعدها هي وشقيقها على توصيل الطلبيات.

قصة ربا لم تكن حالة معزولة، فالكثيرات قد اقتحمن عدد من المجالات مثل التقديم بالجامعات، الخدمات التجميلية المختلفة، رعاية الأطفال وكبار السن، التدريب والتدريس.

وكمتطوعات بغرف الطوارئ والغرف النسوية التي عملت ولازالت تعمل على تغطية حوجات النساء، والمنظمات الإنسانية في أوضاع حرجة. بالإضافة للمبادرات غير الربحية التي تدربت عن طريقها الكثير من الفتيات والنساء على مهارات وحرف مختلفة، والجدير بالذكر أن تلك المبادرات لم تتلق أي شكلا من أشكال الدعم من المنظمات أو الحكومة. 

أما في إطار تحليلنا لدوافع النساء خاصة – النازحات واللاجئات – للانخراط في سوق العمل نجد أن الدافع الأساسي هو تحسين الأوضاع الاقتصادية، وتأتي معه أسباب أخرى تتعلق بأوضاعهن النفسية والمعنوية. (فاطمة) طالبة جامعية تسكن الخرطوم مع والدتها واخوتها، تعيل الاسرة والدتها التي تعمل في مجال صناعة العطور السودانية، توقف عمل والدتها واضطرت الأسرة إلى اللجوء لمصر، فما كان من فاطمة إلا أن تعمل بمصنع للمواد الغذائية، وتقول أنها أصبحت توفر مصروف المنزل الاسبوعي، وأنها فخورة ووالدتها باجتهادهما ومرونتهما في ظروف بالغة الصعوبة. كثيرات مثلها صمدن في خضم الألم والنزوح، بحثا عن حياة.

أما عن (مروة) فهي شابة نزحت داخل السودان مع أسرتها عقب الحرب، بحثت عن فرص للعمل بعد تخرجها وترقبت العديد من الفرص ولكن مع ظروف الحرب لم تنجح، بدأت في تجهيز عدد من المعجنات والحلويات وبيعها في الحي إلا أن مشاكل الكهرباء حالت دون ذلك. مروة تروي أنها حاولت التقديم على وظيفة محاسبة في السعودية لكنها سرعان ما تخلّت عن الفكرة بعد أن أخبروها أن الوظيفة غير مخصّصة للنساء، وأنها تُمنح غالبًا للرجال. هذا الموقف يفتح نافذة على قضية أعمق بكثير من مجرد رفض طلب توظيف. بالنسبة لكثير من النساء السودانيات، البحث عن فرص عمل خارج السودان، وبالأخص في الخليج، ليس مجرد خيار مهني وإنما معركة اجتماعية وثقافية معقدة.

ينظر المجتمع السوداني وبالأخص الأسر السودانية بقلق وريبة لفكرة سفر البنات بمفردهن إلى السعودية أو الإمارات. هذه المخاوف تُقدَّم أحيانًا تحت لافتة “الأسباب الأخلاقية”، إذ يسود اعتقاد راسخ بأن أي شابة تسافر لهذه الدول لا تُعامل كخبيرة أو موظفة متخصصة، بل غالبًا يُعاد إنتاج صورتها كعاملة نظافة، موظفة استقبال في فندق، أو مساعدة في عيادة. هذه الوظائف تُعتبر “غير مقبولة أخلاقيًا” في المخيال الجمعي السوداني لأنها مرتبطة إما بخدمة الآخرين بطريقة يُنظر إليها بازدراء، أو لأنها بيئة قد تحمل وصمة اجتماعية.

من خلال تحليلنا لتلك التعقيدات نجد أن طريق إيجاد وظيفة بالخارج ليس أمرا سهلا كما يتصوره البعض، وإنما هو طريق تحفه العقبات والقيود الاجتماعية والثقافة على النساء، او رائدات الأعمال اللواتي تمكن من السفر والعمل بسهولة نسبية لامتيازاتهن الطبقية والمجتمعية التي لا تتمتع بها أغلبية النازحات واللاجئات. 

هذه القصة لا تعكس فقط تجربة مروة الفردية، وإنما تكشف بوضوح أن النساء السودانيات وهن يسعين لتحقيق استقلال اقتصادي، يواجهن معركة مزدوجة: ضد الظروف المادية القاسية من جهة، وضد وصاية اجتماعية وأسرية مشددة من جهة أخرى. وهنا يظهر جوهر التحدي: النساء لا يبحثن فقط عن النجاة، بل يفاوضن باستمرار على شرعية خياراتهن، على حقهن في العمل، وعلى حقهن في الحركة والتنقل مثل الرجال.

  • شبكات التضامن النسائي : 

قبل اندلاع الحرب ظهرت الأسواق والمعارض الجماعية المؤقتة للنساء (بازارات) بشكل مكثف وأكثر تنظيما وترتيبا وهي أسواق تعرض فيها النساء وبعض الرجال أيضا منتجاتهن/م و بضائعهن/م للمشتريات/ين في مكان وزمان محددين. في تحليلنا لتلك النشاطات نجد أن بداية كل واحد منها ترجع لمجموعة من النساء قمن بالتشبيك والتنسيق عبر مواقع التواصل و وفرن لنساء أخريات فرص للمشاركة وبيع منتجاتهن.  تشكل النساء من تلك الأسواق والبازارات شكلا واضحا من أشكال التضامن والمقاومة للأوضاع الاقتصادية والقانونية الهشة.

ترفع منسقات تلك الأسواق عبء التصريحات القانونية للنشاط وتوفر للمشاركات المكان وطاولات البيع مقابل مبلغ متفق عليه. يتولى أمر الإعلان على المنصات المختلفة رعاة من مشاريع أكبر حجما، والاغلبية العظمى من تلك المشاريع تدار بواسطة نساء. في مثل هذه الأسواق شكل واضح من أشكال التضامن والدعم من النساء لبعضهن ومجتمع اللاجئات/ين والنازحات/ين بشكل أشمل. يمكننا الملاحظة أيضا أن تلك الثقافة قد انتقلت إلى أماكن جديدة لم تشهدها قبل الحرب عبر النساء النازحات الى تلك المناطق وأصبحت الأسواق المشتركة ضمن ثقافة المنطقة.

إن  أكبر مصادر الدعم للمشاريع الصغيرة للنازحات واللاجئات هي منصات التواصل الاجتماعي التي توفر بيئة خصبة للتضامن الجماعي والدعم وتسويق تلك المشاريع بجانب الإعلان عن فرص الوظائف سواء عن بعد أو عمل بدوام كامل.

نموذج لشبكات الدعم على مواقع التواصل مجموعة (شغل العالم) على فيسبوك بها الآلاف من النساء السودانيات أنشئت قبل الحرب بغرض تبادل الفرص والخبرات، تشارك كل من تعمل بمؤسسة أو شركة الفرص والوظائف للفائدة العامة، كما ويتم التبليغ عن أي حالات غش أو استغلال عن طريق تلك الفرص المعلن عنها. وقد تم بالفعل التحقيق في عدد من الحوادث المشابهة وفضح شبكات وهمية تستغل حوجة وطموح النساء.

(تسابيح) صانعة محتوى على منصة فيسبوك وتيك توك تنشر فيديوهات مليئة بالنشاط والتفاؤل وبصوت مرح رغم ظروف النزوح تروي في فيديوهاتها وقائع حياتها اليومية كنازحة وعائدة الى منزلها مؤخرا، وتكيفها مع انقطاع التيار الكهربائي وظروف العمل وتحضير وجباتها الصحية في خضم تلك الظروف القاسية، (تسابيح أو كوتش تي) كانت ولا زالت مصدرا للتفاؤل والأمل وسط ما حل بالسودانيات/ين و الهاما لكثيرات يتابعنها بسبب نصائحها القيمة عن الرياضة وأهميتها وضرورة ممارستها بشكل يومي، فيديوهاتها ومنشوراتها بمثابة دعوة للجميع بأن يحاولن/وا المقاومة والمواصلة بأبسط الموارد. تسابيح عبر منشور لها في فيسبوك: (أنا تي كوتش رياضي وشيف صحي و نازحة، بنشر الوعي الصحي وبحاول أشارك حياتي بتلقباتها علشان في ناس كتيرة بتكافح وبتحارب بؤس الظروف).

  • كيفية الصمود وسط التيار : 

 وجدت النساء السودانيات أنفسهن في بيئات جديدة في مناطق الشتات وبالتالي أسواق مختلفة وثقافات استهلاكية متباينة، لم تكتف السودانيات بمحاولة النجاة وإنما سعين ليقدمن منتجاتهن الخاصة بطرق مبتكرة وجودة عالية متميزة تحصد اهتمام الجميع. 

إن مهمة البداية من جديد في سوق أكبر حجما واكثر تنافسا يتطلب انفتاحا كبيرا على التعلم وتنقيح الخبرات بالتجارب. نجد أن المشاريع السودانية الصغيرة والمتوسطة بعد الحرب اكتسبت طابعا أكثر مهنية وتطورا وترتيبا، ابتداء بجودة المنتجات مرورا بتغليفها و طرق وصول العميلات والعملاء لها، وتطوير مهاراتهن والسعي للتعلم عبر الكورسات والورش التي توفر لهن المعرفة اللازمة في مجالات اهتمامهن. أصبحت منتجاتهن أكثر إبداعًا وتنوعًا، وبرزت لمسات فنية مميزة تعكس تفاعلًا ذكيًا مع ذوق السوق الجديد، كما في مصر أو غيرها من بلدان. تغيرت مفاهيم التغليف والعرض والتسويق، فاعتمدت النساء على وسائل ترويجية مبتكرة، من الحملات عبر السوشيال ميديا إلى البيع المباشر في الأسواق والفعاليات الثقافية.

في بيئة اقتصادية أكثر تنافسًا وأقل قبولا من المجتمعات المضيفة، بدأت النساء السودانيات في إعادة تعريف أنفسهن كرائدات أعمال، وليس مجرد باحثات عن مصدر دخل. هنّ الآن ينافسن بوعي على كسب رضا العملاء في سوق مفتوح ومتعدد الثقافات، و استطعن اجتذاب جمهور جديد – في مدن اللجوء – لا يعرف السودان إلا من خلال منتجاتهن. أصبحت المشاريع النسائية منصة ثقافية واقتصادية في آنٍ واحد، تنقل صورة عن البلد عبر نكهات، وألوان، وتصاميم، تحمل ذاكرة جماعية وتجارب شخصية.

  • مرونة لأجل البقاء على قيد الحياة: 

تاريخ الصراعات المسلحة في السودان لم يبدأ مع حرب 15 أبريل، بل سبقتها نزاعات ممتدة لفترات طويلة في جنوب السودان ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق؛ حيث شهدت تلك الأقاليم موجات من العنف والنزوح والتشريد لسنوات. 

كانت النازحات من تلك الأقاليم عرضة للاستغلال والعمل بأجور زهيدة بسبب الوضع الاجتماعي عقب النزوح، وتم وصمهن من المجتمعات المضيفة لطبيعة الأعمال التي كن يعملن بها لكسب العيش مثل العمل بالمنازل وبيع الشاي والأطعمة. ننظر هنا لما حدث بعين التقاطعية، فأسباب معاناتهن ليست فقط لكونهن نساء نازحات، بل لأنها أيضًا تتقاطع مع عوامل أخرى مثل الطبقة الاجتماعية والانتماء الإثني، فنساء القرى الفقيرات مثلاً، اللواتي ينتمين غالبًا إلى مجموعات مهمشة يكن أكثر عرضة لفقدان سبل عيشهن، في المقابل قد تمتلك نساء من خلفيات اجتماعية واقتصادية أعلى بعض الموارد أو الشبكات التي تخفف من حدة الصدمات.

رغم اختلاف طرق المقاومة والمرونة بين نساء السودان لاختلاف السياقات، إلا أنها تلتقي وتتقاطع من حيث العبء عليهن، والتمييز والعنف الممنهج جراء تلك النزاعات. 

يختلف سياق غرب السودان – دارفور تحديدا – عن شمال السودان ووسطه من حيث اختيار المرأة للعمل، نجد في غرب السودان أن عمل المرأة ليس بمحض الاختيار، وانما نجدهن يعملن مجبرات لاعالة ابنائهن والقيام بأعمال الرعاية ايضا، ونسبة لعدم تواجد الزوج أو هربه وتنصله من المسؤوليات في معظم الأحيان. فالعمل هنا ليس رفاهية أو وسيلة لتحسين الدخل اكثر إنما وسيلة بقاء لها ولأبنائها. 

سطرت نساء دارفور ملاحم عظيمة من المقاومة والمرونة وإيجاد سبل النجاة، عبر القتال في الصفوف الأمامية مثل الشهيدة هنادي النور، و بالتطوع في التكايا المجتمعية لأجل توفير الطعام لأسرهن ومجتمعاتهن، بالإضافة لمساهماتهن في مداواة الجرحى والمصابين، كل تلك أشكال من أشكال خلق الحياة والحماية طلبا للامان في أزمان الحروب والنزاعات. 

تأثرت أعمال النساء كالزراعة والرعي والاحتطاب والاعمال اليدوية في دارفور جراء النزاع وانعدام الأمن في الحقول والأسواق التي اعتدن الحركة والعمل بها، بالرغم من الحصار وتوقف سوق العمل إلا أنهن شاركن في العمل بالتكايا والمطابخ المركزية في معسكرات النزوح التي تسد ولو قليلا من احتياج كبير للطعام الذي بات منعدما بسبب الحصار. 

في بحثي عن تدوينات ومقالات توثق لمرونة نساء دارفور لم أجد ما يشفي فضولي للمعرفة خلاف المعلومات والتقارير الجامدة، إن في ذلك دلالة كبيرة على أننا بعيدون عن القصص المحكية من أرض الواقع بواسطة بطلاتها أنفسهن، ونظرتنا إلى تلك المرونة بشئ من العادية نعزوه لتاريخ دافور الطويل مع النزاعات والتهميش.

  • البعد النفسي للتجربة : 

إن تحليلنا لما حدث عقب الصراع في السودان وردود الأفعال المرنة للنساء لا يمكن أن يكون بمعزل عن عدسة علم النفس، فهي تقودنا لفهم أعمق لما خاضته النساء السودانيات لما اسميه (بالمقاومة). في افادة لنون من معالجة نفسية مختصة حول تفسير علم النفس لتلك المرونة قالت أن الصدمة وما يترتب عليها من اضطرابات تحدث بعدها، ليست بالضرورة أن تكون انهيار واضطرابات سلبية، بل يمكن للصدمة احيانا ان تكون دافعا ونقطة بداية لنمو وازدهار كما فعلت النساء. يمكننا القول هنا أنه بناء على  تصنيف الاختصاص لنوع الصدمة وما يترتب عليها، قد أثبتت النساء أن الصدمات والفجيعة كانت بمثابة محفز كبير للنمو على المستويات الشخصية والعامة، بينما نجد أن الكثير من الرجال لم يستطيعوا التأقلم والبدء من جديد.

تقول المعالجة النفسية (ترتيل) في إفادة لنون أن (ما يحدث مع النساء هو في الحقيقة إعادة تنظيم حياتها نفسياً ومعرفياً بطريقة نسميها في علم النفس (Cognitive Reframing)، يعني إعادة صياغة تفكيرها من “أنا ضحية” لـ “أنا قادرة أتحكم في حياتي وأبني من جديد” وتضيف أيضا :(أن المؤسسات غالباً لا تقدم دعم كافي، لكن النساء تمكن من خلق مرونة جمعية (Collective Resilience)، بعنى دعم لبعضهن البعض، وهذا ما يجعل عملية التكيف أسرع وأقوى).

رغم هشاشة الوضع الاقتصادي والقانوني، أظهرت النساء السودانيات النازحات واللاجئات مرونة استثنائية في مواجهة تداعيات الحرب، فاقتحمن بقوة قطاعات الاقتصاد والأعمال المختلفة، كوسيلة للبقاء. هذا النوع من النشاطات الإقتصادية، وإن كان يوفر دخلاً آنياً، إلا أنه لا يضمن الاستقرار ولا يوفر حماية قانونية أو اجتماعية. إن دعم النساء العاملات في هذا القطاع يتطلب تدخلات واضحة: سنّ قوانين تحمي حقوقهن، توفير فرص تدريب وتمكين، وضمان وصولهن لبرامج التمويل والمشروعات الصغيرة. كما يجب أن نستثمر في هذه المشاريع لا كوسيلة للتمكين الفردي فقط، بل كدعامة اقتصادية واجتماعية للمجتمع ككل وأن استدامة واستقرار هذه المشاريع يتطلب أن تكون رؤية صانع القرار رصينة، تخدم الأهداف النسوية وتدفع بالفرد والاقتصاد القومي إلى الأمام.

استكشاف المزيد

الحلقة التاسعة والاخيرة: رسائل مفتوحة لنشطاء ما بيعرفوني، لكن بيقرّفوني

الرسالة الأولى: “عزيزي الناشط المؤثر في كل المنصات… والمختفي في كل الميادين” يا أخوي، ما مشكلتي إنك نشط.مشكلتي إنك ممثل.بتنزل صورك وأنت بتوزع مساعدات، وما بتذكر اسم الزولة الشغّالة من الفجر بتطبخ.بتكتب: “دعمت مراكز إيواء”، لكنك ما قضيت يومًا واحدًا في مركز حقيقي. لو ما حاسي بالناس…خلِّي الفيسبوك وادخل إحدي

أكمل/ي القراءة

حين تكون الدورة الشهرية عبئاً إضافياً في الحرب…

“نسوان الخرطوم، بس البرمن قروشهن في الحمام..”كان هذا تعليق إحدى الشابات في احدى القرى عندما رأت فتاة تشتري علبة فوط صحية من بقالة الحي… هذا التعليق ليس جهلا، وإنما نتيجة عقود ممتدة من تجاهل أهمية الصحة الجنسية والإنجابية في السودان، وحصر الخدمات في تنظيم الأسرة وحملات النظافة الشخصية، ليس من

أكمل/ي القراءة