8 مارس لهن
إلى الرفيقات، إلى النساء السودانيات في كل مكان، إلى من يحملن أثقال البقاء على أكتافهن دون أن ينحنين، إلى من يصنعن الحياة وسط الدمار، إلى من ينزحن ويُهجّرن ويواصلن رغم كل شيء … كل يوم هو يومكن، وكل لحظة صمود تحفر في الأرض أثرًا لا يُمحى.
اليكن..
اليك..
“حليل بتي .. ودرتي عقلي
الدايم الله وده حكم الله
اللية ي اسمح بناتي الدايم الله وفوقكم بشاتي
حليل بتي ليا ولبناتي
حليل بتي نحن في السيال
حليل بتي وراضي المنان
حليل بتي براي
شوقي الضوقتيه ، وحليل بتي امرضتي عقلي”
“شهادة مصورة لبرنامج عمران – 2025”
هذه ليست مجرد كلمات، بل أنين جدة مسنّة تنوح على حفيدتها تيسير، ذات الاثني عشر ربيعًا، التي فارقت الحياة بعد سبعة أيام من النزوح سيرًا على الأقدام. تيسير التي ماتت، بينما جدتها الكبرى ذات الثمانين تصارع المرض والموت، وتحلم فقط أن تستعيد عافيتها لتحمل “المصلاية والابريق” كما اعتادت طوال حياتها.
هكذا يتناقل الألم بين الأجيال دون أن يمحى—من طفلة بالكاد بدأت الحياة إلى امرأة أفنت عمرها في حمل أعبائها.
الحديث عن مارس ويوم النساء دون الالتفات لشكل المعاناة المتغير و المتبدل جراء الصراعات و العدوان.
نحتفل ب 8 مارس؟ كيف؟
مارس…لمن؟
ما زلنا نحاول أن نقولها بصوت عالٍ: مارس ليس لنا. مارس يشبه فكرة أخرى لا تخصنا. فكرة اجتمع عليها النخبة خلف طاولات مجلس الأمن، حيث يُقرر مصير النساء دون أن يُسمح لهن حتى بالحضور. حيث تُمنع السودانيات، والإثيوبيات، والكونغوليات، والصوماليات من الحصول على تأشيرة، لأن العالم قرر أن أصواتهن لا تستحق أن تُسمع.
فكرة قررت ان تمثل اصوات وملايين المطالب في شكل واحد.
بالأمس، قالت لنا صديقتنا الإثيوبية:
“لن أذهب إلى CSW 69، سأقاطع هذا الحدث، لأن النساء السودانيات والإثيوبيات والكونغوليات لا يمكنهن السفر. لأن ترامب ومن على شاكلته يعتقدون أننا نحلم باللجوء إلى بلدانهم، ما الفائدة إذن؟”
نحن نعترض!
في حركة “نون” النسوية، وثّقنا أثر العسكرة على النساء السودانيات لثلاث سنوات، وجمعنا أكثر من 360 قصة، وعندما اندلعت حرب 15 أبريل، لم نوثق فقط المآسي، بل أيضًا انتصارات النساء وسط الكارثة. 40 قصة، 40 امرأة اخترن التطوع رغم النزوح، رغم الجوع، رغم الأحزان الشخصية، رغم تقاسم فرص البقاء.
هؤلاء النساء، في كل خطوة يخطونها، يواصلن ثورتهن، يتمسكن بهذه الأرض، يرفضن أن يكنّ مجرد أرقام في تقارير الإغاثة الدولية.
اخبرننا رؤيتهن للتمويل، وكيف أن المساعدات التي توزّعها المنظمات الدولية لا تصل إليهن، لأنها تُدار بمنطق النخبة، بعيدًا عن أصحاب الحاجة الحقيقية. أخبرننا كيف يجب أن تعمل الأمم المتحدة في السودان، وكيف أن المساعدات الغربية تُستخدم كأداة استعمارية جديدة، تتحكم في من يعيش ومن يموت.
وعندما توقفت وكالة المساعدات الأمريكية، أحد أكبر مصادر التمويل الاستعماري، كان النساء السودانيات أول من دفع الثمن. توقفت أدوية مرضى نقص المناعة، توقفت تمويلات المطابخ المركزية، وأصبح آلاف الجياع مهددين بالموت.
لكن ليس وحدهم…
نحن نعلم من يقف خلف هذا الخراب. نعلم أن مليشيات الإمارات، التي جعلت من أجساد النساء والأطفال ميدان حرب، ليست سوى وجه آخر للمجزرة المستمرة. نعلم أن ما يحدث ليس مجرد “نزاع”، بل مشروع تهجير، مشروع كسر، مشروع استعباد جديد.
لكننا نعلم أيضًا أن الطريق طويل…
العالم لا يملك حق رسم 8 مارس واحدة، ونحن لا نحتاج إلى يوم عالمي لتخبرنا النخبة كيف يكون النضال. السودانيات يخلقن يومهن، يوميًا، في كل فعل مقاومة، في كل محاولة للبقاء، في كل امرأة تخوض معركتها ضد الجوع، والقمع، والاغتصاب، والاستعمار الجديد.
هذا يومنا، وهذه ثورتنا.
هؤلاء النسوة… وغيرهنّ الملايين، هنّ روح 8 مارس، هنّ صوته، هنّ نضاله الحقيقي.
هنّ من فقدناهن على خطوط الجبهة الأمامية وهنّ يضمدن الجراح، يطعمن الجائع، يهمسن لطفل مذعور بأن الليل سيمضي، يحركن “كمشة” التكايا، ويصنعن من اللاشيء دفئًا ووطنًا.
هنّ النازحات، والمقيمات، اللواتي يحملن على أكتافهن وطناً جريحًا، دون أن ينحنين، دون أن ينهزمن.
نحن نعرف بلادنا جيدًا، نعرف أن حقوق النساء فيها لا تزال حلمًا بعيدًا، وأن كل يوم يُكتب بلونين فقط: الجوع والموت. نعرف كيف تتحول أجساد النساء إلى خرائط حرب، وكيف يصبح الاغتصاب سلاحًا، والنزوح حكمًا جائرًا، والخوف ظلًا لا يفارق الطرقات.
لكننا نعرف أيضًا أن الطريق طويل، ونعرف أن:
لا يحق للعالم أن يرسم 8 مارس واحدة، بيدٍ لا تعرف الألم.
لكن يحق للسودانيات أن يصنعن يومهنّ… كل يوم، في كل صرخة بقاء، في كل خطوة مقاومة، في كل نظرة تتحدى الخراب.
للاطلاع على الورقة التحليلية :